الأربعاء، 27 يناير 2010

الإعجاز في قول الله : (( إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ًما بعوضة فما فوقها ... ))

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى : { إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ًما بعوضة فما فوقها فأما اللذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم و أما اللذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا}[ البقرة / 26 ]

لطالما نظر الإنسان الى البعوضة على أنها مخلوق تافه ، فهي من أصغر ما يشاهده بعينه المجردة و في حياته اليومية ، و لكن الله سبحانه يذكرها في كتابه العظيم و من دون أي إستحياء .



صورة لرأس البعوضة تظهر إبداع الخالق جل جلاله

سبب نزول هذه الآية الكريمة هو سماع اليهود في المدينة المنورة لآيتين من القرآن الكريم يضرب الله فيهما المثل للمشركين ؛ مرة ًبالعنكبوت في قوله عز و جل : { كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ًوإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون } ، و مرة ًبالذباب في قوله عز و جل : { إن اللذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ًو لو اجتمعوا له و إن يسلبهم الذباب شيئا ًلا يستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب } ، حيث كان اليهود قد اتخذوا من ورود هذه الأمثال منفذا ً للتشكيك في صدق الوحي بهذا القرآن ، بحجة أن الله لا يذكر مثل هذه الأشياء الخسيسة في كلامه ، فجاءت هذه الآية دفعا ًلهذا الدس و بيانا ًلحكمة الله في ضرب الأمثال ، فالله سبحانه و تعالى رب الصغير و رب الكبير و خالق البعوضة و خالق الحوت ، و المعجزة في البعوضة هي ذاتها المعجزة في الحوت ، إنها معجزة الحياة .
و العبرة في الخلق ليست بالحجم و بالشكل ، فالبعوضة – على صغر حجمها – فيها من ابداع الخالق جل جلاله ما يذهل الألباب ، و هذه بعض من الحقائق المكتشفة عن البعوضة :


* إن في رأس البعوضة مئة عين ، و لو كبر رأس البعوضة بالمجهر الإلكتروني لرأينا عيونها المئة على شكل خلية النحل ، و في فمها ثمان و أربعون سنا ً، وفي صدر البعوضة ثلاثة قلوب ؛ قلب مركزي و قلب لكل جناح .

* تمتلك البعوضة جهازاً لا تمتلكه الطائرات الحديثة و هو عبارة عن مستقبلات حرارية ، حيث أن البعوضة لا ترى الأشياء بأشكالها و ألوانها بل بحرارتها ، و حساسية هذا الجهاز هي واحد بالألف من درجة الحرارة المئوية !


هكذا ترى البعوضة الأشياء

* تمتلك البعوضة جهازا ًلتحليل الدم ، فليس كل دم مناسب لها ، فقد ينام طفلان على سرير واحد ، و في الصباح تجد جبين أحدهما مليئا ًبلسعات البعوض ، أمّا الثاني فلا تجد أثرا ًللسعات البعوض عليه .

* تمتلك البعوضة جهازا ًللتخدير ، فهي تخدر موضع اللسع حتى لا يشعر بها الشخص فيقتلها أثناء امتصاصها للدم ، و عندما يزول أثر المخدر يشعر الشخص بألم اللسع .

* تمتلك البعوضة جهازا ًلتمييع الدم الذي تمتصه من الإنسان ، حتى يتيسر له المرور عبر خرطومها الدقيق ، و حتى تمنع تخثر الدم في منطقة الامتصاص عندما يفرز الجسم أنزيمات التخثر !

* للبعوضة خرطوم فيه ست سكاكين ؛ أربع سكاكين تحدث في جلد الملدوغ جرحا ًمربعا ًيصل الى وعاء دموي ، و السكينتان الخامسة و السادسة تلتقيان لتكوّنا أنبوبا ً لامتصاص الدم .

* البعوضة مزودة بجهاز شم تستطيع من خلاله شم رائحة عرق الإنسان من على بعد يصل الى 60 كم .

* في أرجل البعوضة مخالب تستخدمها اذا أرادت الوقوف على سطح خشن ، و لها محاجم إذا أرادت أن تقف على سطح أملس .
بعد معرفة هذه المعلومات المدهشة عن تصميم البعوضة ندرك شيئا ًمن عظمة الخالق و مدى اتقان خلقه ، كما و ندرك جانبا ًمن أسباب اختيار الله جل جلاله لهذا المخلوق بالذات من بين جميع المخلوقات للرد عل افترائات أهل الضلال ...


و لكن هل يتوقف اعجاز هذه الآية القرآنية عند هذه الحدود ... ؟


الإجابة لا ، فاستخدام الضمير المؤنث في كلمة ( فوقها ) بحد ذاته إعجاز ، و ذلك لأن الحقيقة الراسخة هي أن إناث البعوض هي فقط التي تمتص الدماء ، و هي لا تمتصه لكي تتغذى عليه فغذاء البعوض عامة هو خلاصة رحيق الأزهار ، و لكنها تمتصه لأن البويضات التي تحملها أنثى البعوض بحاجة الى بروتين لتكبر ، وهكذا يعدل القرآن باللفظ إلى صيغة تتفق مع الواقع قبل أن يكتشفها الزمان وتعاينها الأجيال .


و لكن ماذا عن دلالة كلمة ( فوقها ) ... ؟


كان الأئمة المفسرين – رحمهم الله جميعا ً– يعتبرون أن لهذه الكلمة معنيان ؛ إما أن تعني كلمة ( فوق ) الزيادة في الحجم ، أي أن الله يضرب المثل بالبعوضة و بما هو أكبر منها حجما ً ، و إما أن تعني الزيادة في الوصف ، أي أن الله يضرب المثل بالبعوضة و بما هو أحقر و أدنى منها ، و لكن حديثا ًو بعد اختراع المجاهر الإلكترونية ، يمكننا تفسير هذه الكلمة على أنها ظرف مكان ، و ذلك بعد إكتشاف الطفيليات و الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش على ظهرها ، فيصبح معنى الآية أن الله تعالى يضرب المثل بالبعوضة و بما يعيش فوقها من كائنات لا نبصرها بعيننا المجردة ...
إن في الإشارة الى و جود هذه الكائنات الحية إعجاز فمن كان يتخيل وجود مثل هذه الكائنات الحية في زمن الرسول عليه الصلاة و السلام ، و كيف يجرؤ أحد على ذلك و هي لا ترى الا ّ بالمجهر الإلكتروني .


و لكن هل يمكن اعتبار هذا جانب من أسباب اختيار الله للبعوضة بالذات لضرب المثل بها ؟


قد يقول قائل : إن وجود هذه الكائنات الحية الدقيقة على ظهر البعوضة ليس أمرا ًمميزا ًلها ، فهناك الكثير من الكائنات التي تشترك في هذا ، و لكن في الحقيقة إن البعوضة لا تحمل فقط البكتيريا و الفيروسات كباقي الكائنات ، فهي تحمل الطفيليات التي هي أرقى رتبة ًمن البكتيريا و الفيروسات ، و تعد أعقد منها بكثير ، فهي كائنات حية ذات أجهزة متكاملة ، حيث يعد البعوض من أشهر الكائنات التي تنقل هذه الطفيليات التي تصيب الإنسان و الحيوان ، و التي هي وراء العديد من الأوبئة التي فتكت بالملايين على مر التاريخ ...
و من أشهر هذه الطفيليات : طفيل الملاريا ( الإسم العلمي : Plasmodium ) ، و طفيل الفلاريا الذي يسبب داء الفيل ( الإسم العلمي : Elephantiasis ) ، و من أشهر الفيروسات التي ينقلها البعوض تلك المسؤولة عن مرض الحمى الصفراء ( fever Yellow ) ، و مرض الحمى المخية (Encephaltis ) ، و مرض أبو الركب أو حمى الدنج (fever Dengue ) ، و مرض الحمى النازفة (fever Hemorrhagic ) ، و كذلك حمى الوادي المتصدع (rift valley fever ) .
إن المعرفة بوجود هذه الكائنات الحية على ظهر البعوضة و دور البعوضة في نقلها يستحيل أن يدركها أحد قبل اختراع المجهر ، فلم يُعرف دور البعوضة في نقل طفيل الملاريا مثلا ًإلا قبيل بداية القرن العشرين ، فقد تمكن ( الفونس لافيران ) من معرفة الطفيل المسبب للملاريا عام 1880، وفي عام 1897 اكتشف ( سير رونالدز روز ) انتقال الطفيل عن طريق البعوضة ، وفي عام 1898 تمكن فريق إيطالي من الباحثين من تأكيد دور البعوضة في نقل المرض ، وكلمة (ملاريا) إيطالية الأصل وتعني الهواء الفاسد ، وقد بقيت مستخدمة حاليا كمصطلح تاريخي يعكس الاعتقاد الخاطئ بأن المرض ينتقل للإنسان عن طرق الهواء الفاسد قبل أن يعرف دور البعوضة في نقل الطفيليات المجهرية التي تسببه .
وقبيل بداية القرن العشرين كانت هناك عدة فرضيات تحاول تفسير سبب وباء الحمى الصفراء، وفي عام 1881 افترض ( كارلوس فينلاي ) أن الناقل هو البعوض ، وهو ما أكده ( ميجور والتر) عام 1900 وأثبته ( ويليام جورجاس ) في أول القرن العشرين ، وبالتخلص من البعوض أثناء شق قناة بنما تراجع المرض كثيرا ً، وفي نفس الفترة اكتشف ( باتريك مانسون ) طفيل الفلاريا الذي يسبب داء الفيل وعرف أن الناقل له هو البعوض كما نقل طفيل الملاريا .



صورة متحركة تظهر طفيليات تعيش فوق البعوضة

و الآن و بعد إدراك عظمة ضرب المثل بالبعوضة و نفي الإستحياء من ذلك و معرفة الإعجاز في كلمة ( فما فوقها ) ، ننتوقف عند الجزء التالي من الآية ، قوله تعالى : {فأما اللذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم و أما اللذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا } ، و نتذكرهنا قوله تعالى في سور المدثر عن نار جهنم : { عليها تسعة عشر * و ما جعلنا أصحاب النار إلا ّملائكة و ما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب و يزداد الذين آمنوا إيمانا ًو لا يرتاب الذين أوتوا الكتاب و المؤمنين و ليقول الذين في قلوبهم مرض ماذا أراد الله بهذا مثلا ً}
و الرابط بين الآيتين يظهر بوضوح و هو أن الله تعالى يبتلي الناس في كلا المرتين ليميز المؤمن عن الكافر ، ففي المرة الأولى كان الإختبار في ضرب الله المثل بالبعوضة ، و في المرة الثانية كان الإختبار في ذكر عدد خزنة جهنم ، و لكن هناك رابط آخر في غاية الإعجاز لا يظهر الا بعد معرفة هذه المعلومة عن البعوضة :
إن في رأس البعوضة مئة عين – كما ذكرنا سابقا – و هذه العيون سداسية الشكل ، و حسب علم الهندسة الفراغية فإن العدد 19 يتمثل بالشكل السداسي !!! كما يظهر في الشكل الآتي :


و من الجدير بالذكر أن الرقم 19 فيه إعجاز مبهر في القرآن الكريم ، و هذا بيانه :

عدد سور القرآن الكريم هو 114 سورة و هذا الرقم من مضاعفات الرقم 19 ( 19 × 6 ) ، و عدد مرات ذكر كلمة القرآن في القرآن الكريم هو 57 و هذا الرقم أيضا ًمن مضاعفات الرقم 19 ( 19 × 3 ) ، وقد تحدى الله تعالى الإنس و الجن بأن يأتوا بمثل هذا القرآن فقال : { قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا ً} ، و عدد كلمات هذه الآية 19 ، و عدد حروفها 76 و هذا الرقم من مضاعفات الرقم 19 ( 19 × 4 ) ، و عدد الحروف الأبجدية التي تركبت منها هذه الآية هو 19 ، و مجموع ( 19 + 76 + 19 ) = 114 و هو عدد سور القرآن الكريم !!!
أول آية في القرآن هي ( بسم الله الرحمن الرحيم ) و عدد حروفها هو 19 حرفا ً، و قد تكررت 114 مرة ، و أول كلمة فيها ( بسم ) ذكرت في القرآن 134 مرة ، و آخر كلمة ( الرحيم ) تكررت في القرآن كله 227 مرة ، و المذهل أن مجموع ( 134 + 227 ) = 361 و هذا الرقم يساوي بالتمام 19 × 19 !!!
عدد حروف القاف في سورة ( ق ) هو 57 حرفا ً( 19 × 3 )، و عدد حروف القاف في سورة ( الشورى ) 57 حرفا ًكذلك ، و عدد حروف الياء و السين في سورة ( يس ) هو 285 حرفا ً
( 19 × 15 ) و ترتيب هذه السورة بين السور ذات الفواتح هو 19 !!!

* * * * *


سبحان الله العظيم خالق كل شيء و منزل الكتاب على عبده ليكون للعالمين نذيرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق